يتكشّف مشروع «أراضٍ محرّرة» من خلال برنامج دراسي ومعرض فني وشراكات عابرة للحدود مع مبادرات شعبية. يرتكز المشروع على التعاون مع تعاونيات زراعية وأطر تنظيمية أخرى في فلسطين قائمة على الدفاع عن الأرض والحكم الذاتي المجتمعي والتعافي البيئي، وذلك في سياق البحث في الممارسات والبنى التحتية التي تعيد صياغة علاقات الأرض والحياة في ظل تصاعد العنف الاستعماري والكارثة الإيكولوجية. في هذه اللحظة التاريخية المفصلية ومع تسارع الإبادة والتوسع الاستيطاني في فلسطين والجوار، يطرح هذا المشروع الأسئلة التالية: كيف تُوظّف البيئة كأداة عنف وإلغاء؟ كيف  نبني أفقاً متجاوزًا لمنظومة الاستيطان وما تقوم عليه من ملكية خاصة وقانون؟ ما العلاقة ما بين العمل بالأرض وتحريرها؟ وكيف لمن هُجّر من أرضٍ أن يقاوم مصادرتها؟

 

يتّخذ عنف الاستعمار الاستيطاني أشكالاً عديدة، من بينها ما نشهده اليوم من عملية إنتاج لما يصفه غسان أبو ستة بـ "المحيط الحيوي للحرب". إن سياسة الأرض المحروقة – أي التدمير والتلويث الممنهج لمصادر المياه وأنظمة الري ومصادر الغذاء والمزارع والحيوانات والنباتات – تمثل عدواناً على مقومات الحياة بحد ذاتها، ومحاولة لتحويل الأرض إلى حاضنة للموت والقحط. وعلى الرغم من ذلك، تبقى الأرض موقع مقاومة وإنتاج عوالم وتجدّد. من هذا المنطلق، يسعى «أراضٍ محرّرة» إلى تسليط الضوء على مركزية الأرض في الحاضر، انطلاقاً من سؤال الفِلاحة كونها مدخلاً لقضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية وبيئية أوسع. لطالما احتلت قضية الفلاحة موضعاً مركزياً في النضال الفلسطيني. واليوم، ها هي التعاونيات الزراعية والمزارع الأهلية ومشاتل النباتات المحلية ومكتبات البذور الأصلية والمجالس المحليّة وغيرها من المبادرات المنتشرة في "البلاد" تشير لبزوغ نموذج إنتاج مغاير قوامه العمل التعاوني والتشارك في الموارد والتجدد البيئي. تناهض هذه الممارسات مساعي الاحتلال للهيمنة على القوى الإنتاجية، وتكافح لتحقيق السيادة الغذائية ولبناء اقتصاد مقاوم. تقترن قدرة المجتمع على إنتاج غذائه بقدرته على البقاء في أرضه؛ مقاوماً التوسع الاستيطاني ومحارباً آليات العقاب الجماعي - كسياسات التجويع - المُصممة لقمع النضال السياسي. وهكذا يكون العمل بالأرض فعل رفض سياسي واقتصادي وبيئي ومسألة تقرير مصير.

 

 

يتطلع «أراضٍ محرّرة» لعالم دون استيطان، حيث تنمو علاقة الناس بأرضهم بعيداً عن الهيمنة والاستغلال والدمار البيئي. واستناداً إلى كتابات ناصر أبو رحمة، نقترح فهماً لممارسات "نزع الاستيطان" باعتبارها أكثر من مجرد زعزعة للوضع القائم، وإنما تشكيلٌ لزمنٍ مضاد: زمن المتمرد والمطارد الذي يسري من تحت وفي محيط زمن المستعمر. إن هذه الممارسات ليست مجرد صراع  بقاء في ظل استلاب لا يهدأ، بل رفضٌ سياسي لديمومة المنظومة الاستيطانية وانفتاح على مستقبل غير مأسور.  

 

 

تلك رؤوس أقلام، يستقرئها البرنامج بسبل عديدة نسعى لتطويرها على مدار عشرة أشهر: (1) شراكات نعقدها مع تعاونيات زراعية ومبادرات فلاحية في فلسطين تدعم تجارب في التعلم الشعبي وتطوير البنية التحتية بشكل يستجيب للاحتياجات المادية المُلحة في اللحظة الراهنة (2) معرض فني يقام في برلين في عدة فصول، يشتبك مع تساؤلات المشروع الأساسية من خلال طروحات فنيّة، بعضها يقتفي آثار تحويل الأرض إلى وسيط لممارسة العنف، وبعضها الآخر يستحضر الأرض في تداعياتها الشعرية والمجتمعية والوجدانية والسياسية (3) مكتبة متنامية يضمها المعرض بين جدرانه، تحوي نصوصاً وإصدارات ومواد سمعية وبصرية، تطرح في مجملها أدوات لدراسة جمعية تتناول التنظيمات الفلاحية والشعبية المناهضة للاستلاب الاستعماري (4) برنامج دراسي يفتح مساحة للتبادل المعرفي ما بين الممارسين/ات البيئيين/ات من شتى أرجاء الجنوب العالمي ويتطرق إلى تاريخ النضال الفلاحي ويتوسّع بالأفق الجغرافي للمشروع ليتضمن البحث في الاستمرارية التاريخية للاستعمار والإبادة، بالتركيز على السياق الألماني (5) فعاليات مفتوحة، منها المحاضرات والدروس وعروض الأفلام والعروض الأدائية التي تشتبك مع نضالات متقاطعة، وتسلط الضوء على أشكال مختلفة من الرفض والمقاومة والتضامن في الحاضر. 

 

 

 

يقام هذا المشروع بتكليف من مبادرة سپور ومن تقييم جود التميمي ولمى الخطيب.
 

بمشاركة أحمد الأقرع وأمانة وهبة لعمارة وأسفلت وباسل عباس وروان أبو رحمة وبيان أبو نحلة وجومانة منّاع ورنا نزّال حمادة وكمال الجعفري  ومؤيّد أبو أمّونة وسليمان منصور ومركز الفن الشعبي وغيرهم/ن.